الأسوار


إن العالم بدون أختلاف سيكون عالماً متشابهاً لا يمكن إحداث آي تقدم فيه . ورغم ذلك , فإننا لا نقدر تلك الاختلافات , بل ندافع عن انفسنا أمامها لاعتقادنا بأنها تهدد هوياتنا . إن من يرزحون تحت أغلال العقلية الدفاعية يبنون حول انفسهم أسواراً للدفاع عن وضعهم بدلاً من التقدم للأمام .

الأسوار

من الأشياء المحبطة في طريقة تعاملنا مع الصراعات الأسوار القوية للآراء . لقد رأينا عبر التاريخ اسواراً رمزية بين شعوب تحولت إلي اسواراً واقعية . شهدنا هذا في برلين بين العالمين الرأسمالي والشيوعي , ومع ذلك فإن البشر لا يستطيعون التقدم ما دام للأسوار وجود . أو حتي يكون أحدنا علي الأقل مستعداً للوصول للآخر , وفهمه فهماً حقيقياً .

وتتكون هذه الأسوار من ركام من الأكلشيهات غير المقولية, والأكلشيهات السياسية بلا شك هي أكثر صور التلاعب شيوعاً , ومع ذلك فلا يخلو مكان - سواء المنزل او العمل - من مجالات مبتذلة , حيث تتواصل المجادلات الشبيهة نفسها بالاتهامات عاماً بعد عام مؤدية إلي المزيد من الاحتدام بين من يفكرون بعقلية البديلين , ومسببة للانهيار المؤلم للروح المعنوية للآخرين , ومن امثلة هذا الجدل :

" ليبرالي لا يأبه بالفقراء "

" محافظ التوجه قاسي القلب "

" متهاون مع الجريمة "

" داعية حرب عنصري "

" جبان في اتخاذ القرارات "

" مخلب قط قوي للصناعات العسكرية "

" إذا انتخبناك , فسينتصر الإرهاب "

" إذا انتخبناك , فسيزداد الاغنياء غني والفقراء فقراً "

" اشتراكي ! "

" فاشي ! "

يقدم لنا "جوناثان سويفت " في كتابه رحلات جليفر جماعة غريبة تسمي اللابوتانيين الذين يمثلون النخبة الحاكمة في بلادهم . وقد رأت هذه الجماعة أن حديث أحدهم مع غيره يحتاج لجهد كبير ؛ لذلك يحملون أجولة مليئة بالرموز يمكنهم أن يروها لبعضهم عندما يتقابلون يقول " جليفر " - بطل القصة : " كثيراً م اكنت أري اثنين من هؤلاء الذين يفتحون بأجولتهم , ويجريان حواراً معاً لمدة ساعة ثم يجمعان أدواتهما وينصرفان " . كان " سويفت " يسخر في هذه القصة من قادة الحكومات والشركات الذين لا يكفون عن مواصلة الحديث العقيم نفسه كبديل عن التواصل الحقيقي الصادق .

والآن هناك نغمة سامة آخذه في التزايد وبدأت تزحف إلي هذه الصور من عدم التواصل . ويبدوا أننا قد أصبحنا في حالة من الضعف الدائم للتحضر في الخطاب . فهناك الغضب والانقسام والإحباط والاستقطاب , بل نسمع أحياناً في المستويات الحكومية العليا - حيث كان يسود الاحترام المتبادل في الماضي - انجارات وليس حوارات . لقد أصبح التفكير بمنطق البديليلن ساماً .

لقد وجد المحرضون علي الإنترنت , وفيما يسمي النشرات الإخبارية علي القنوات الفضائية , وفي المحطات الإذاعية لكل الدول طريقة مختصرة للثراء من خلال علو الصوت وسب المعارضين لهم . ويري بعض هؤلاء المحرضين أنفسهم شهداء , وبعضهم يعمل بوضوح للتربح فحسب , ولكن الكثيرين منهم يعملون علي بث الكراهية لكل من يختلف معهم , وبسبب التفكير القاصر المحدود لهؤلاء " نحن في مقابل هم " , فإنهم " يوهموننا بدقة إدراكهم في حين أنهم في الواقع يرفضون أن يكتسبوا أفكاراً جديدة من خلال استماعهم لوجهات نظر غيرهم " - كما يقول البروفيسور " رولاند أرنيت " .

لقد أوجد الأنترنت قوة جديدة لتكوين قبائل كما يقول " سيث جودين " - المبادر في الأعمال . وهذها شئ رائع , حيث أصبح بمقدور الجميع بدءاً من الفلاسفة الرواقيين إلي الراقصيين الشعبيين في أوكرانيا أن يرتبطوا معًا ويستكشفوا اهتماماتهم المشتركة . ومع ذلك فهناك جانب سلبي لهذه القبيلة الجديدة , وهو أن الناس لا يتجمعون إلا إن كانوا ذوي عقلية واحدة . إن شخصين يطرحان السؤال نفسه علي محرك البحث جوجل سيحصلان علي إجابتين مختلفتين , وذلك لأن محرك البحث المتقدم جداً يعرف بالفعل نوعية الإجابة التي يريدها كل منهما . ومن المفارقة أنه رغم الفرص الهائلة للاستماع لآراء عديدة مختلفة علي الإنترنت ؛ فإن الناس المحصورين خلف الأسوار الرقمية الإلكترونية ينسحبون من أي تواصل مع وجهات النظر الأخريولا يفكرون فيها , أنهم يصبحون مثل اللابوتانيين - يؤمنون بقوة للتفاهات التي يقولها كل منهم , وكنهم يركزون آذانهم علي أي شئ آخر .

مأخوذ من كتاب  البديل الثالث لـ استبفن آر كوفي

انتظرونا في مقالة أخري من مقالات التنمية البشرية  .. موقع هل تعلم ؟

شارك علي جوجل بلاس
    تعليقات بلوجر
    تعليقات الفيس بوك